د/ باسل عادل يكتب: سياسات شابة أم شباب سياسى
تمر الأمم بمنعطفات حادة فى مسار بنائها وتقدمها، وتتوقف تحديات التنمية على التعاطى مع تلك المنحنيات الخطرة والتفكير بجدية فى تغيير السياسات وكبح جماح الماضى المنتقد فى سبيل مستقبل متفق عليه!
هل تشيب السياسات وتتكهل؟ هذا السؤال المنطقى يثور عند كل أزمة وتحد، هل كانت السياسات المختارة متجددة وحيوية بالقدر الكافى للتعامل مع المتغيرات العالمية والإقليمية، كما أيضا تُراكم تحديات الداخل الموروثة منذ عقود، هل كنا أكثر مرونة فى التعامل مع الصدمات العالمية مثل كورونا وحرب أوكرانيا ام ان منهجنا السياسى متيبس فشرخ عند مواجهته تلك الكروب والمحن والمنحنيات؟، هل بجانب ضرورة انتهاج السياسات الشابة الأكثر جرأة وسرعة ومرونة علينا ان نتحلى بحكمة الكبار وسلوك مسلكهم المتحفظ الهادئ!
هل نحتاج إلى سياسات شابة جديدة تطبقها الحكومة بوعى جديد وجسارة وفتوة ام اننا نتطلع لشباب سياسيين يتولون ابتكار وتنفيذ سياسات خلاقة فتية تحدث نقلة سريعة من الواقع إلى المأمول؟
أتصور ان تغيير المنطلقات الفكرية للتعامل مع الشباب أصبحت حالة وضرورة، والبعد تماما عن فكرة الوصاية والتوجيه إلى مسار الدمج والاستماع أصبح واجب، فالملاحظ فى جلسات الحوار الوطنى ان أطروحات الشباب أكثر حيوية وتجددا من غيرها، فقد تفتقد كثيرا فهم الواقع على الأرض ولكن الحلم يبدأ محلقا ويصبح هدفا تحققه حكمة الكبار ومنطقهم، ان الأزمة التى تمر بها بلادنا وتحديات التضخم والديون تستلزم ابتكار سياسات شابة غير تقليدية، والاستماع للأفكار الاقتصادية الشابة وتطبيقها بعد دراستها بشكل واف، فوثيقة ملكية الدولة والشروع فى بيع الكثير من الشركات والمشروعات المملوكة للدولة هى إحدى تلك الأفكار الشابة التى يجب ان يكون تنفيذها بنفس الحيوية والفتوة، كما ان فكرة خلق بديل سياسى اقتصادي(إنشاء شركات بأسهم أهلية بالشراكة مع الدولة) لتلك المؤسسات المزمع بيعها هو من قبيل الأفكار الشابة التى تداوى جرحا سياسيا فى نفوس المواطنين من بيع ممتلكات الدولة، فعدم تأصيل السياسات الليبرالية ومفهوم الاقتصاد الحر ومهاجمته من طوائف اليسار السياسى وكهنة ومنتفعى القطاع العام شيدت سدا بين المواطنين وفكرة انتشار وشرعية القطاع الخاص، كما انها جعلت الدولة تتراخى فى رسم سياسات متوازنة تدريجية فى التخلص من انشغالها بالإنتاج إلى الانتباه إلى دورها الأساسى كمنظم للسوق وحام للعلاقات فيها وانتظارها لجنى العوائد الضريبية من نجاح القطاع الخاص، تلك أيضا رؤى شابة للمسار الاقتصادى القادم.
يتضح أيضا من أزمة التعداد السكانى المتزايد فى مصر أنها امة شابة ومن الجدير بنا ان نحول العبء السكانى إلى ميزة وإنتاج ورصيد بشرى فى بنك الاقتصاد، السياسات الشابة فى إعلام متوازن ينقل للشباب المقبل على الزواج ضرورة تنظيم النسل بصورة واعية لا تتصادم مع موروثات الأديان وتتماشى مع واقعنا الصعب هى ضرورة من ضرورات السياسات الشابة أيضا، هنا أيضا لابد من السياسات الشابة للتعامل مع الشباب خاصة محدودى التعليم والثقافة، فمفهوم (الطفل الاقتصادى) يجب ان يتوقف عند فقراء وطننا الغاليين، الذين يعتبرون ان كل طفل جديد هو مشروع إدرار مالى منتظر، وتأتى تلك الرؤية قاصرة لأنها تقذف بالأطفال لسوق العمل بلا تعليم أو حتى تدريب فيزداد العاطلون وتثقل الأسرة بهم وكذلك المجتمع بدلا من احتوائهم كطاقة منتجة.
تلك الأمثلة السابقة هى مقتطفات محدودة كمثال وليست حصرا، ان ضرورة تشكيل وتفعيل حزمة من السياسات الشابة المتجددة اعتقد أنها ضرورة ملحة الآن، تغيير الوجوه فى الحكومة وكل مؤسسات الحكم هو الآخر مطلب سياسى، لم يعد هناك وقت أو فرصة لسياسات عجوز، فنحن نحتاج لسياسات شابة من شباب سياسي.